الثلاثاء، 28 يوليو 2015

عذراً أطفالنا

تنظم أمانات المدن سنوياً احتفالات عيد الفطر المبارك للأسر التي لا تملك مالاً تبهج به أطفالها في أقرب مكان يليق بطفولتهم ويحترمها، وتضطر تلك الأسر إلى البقاء في الأجواء الخانقة حيث لا مظاهر للفرح إلا الثوب الجديد صباح العيد. بل حتى إن هذه الفرحة المنقوصة ربما تصادر من الأطفال، فينقلب مظهر الفرح إلى لعنة تطاردهم وقلق لا ينفك عن الطرق على أدمغتهم لأنه ارتبط بذكرى سيئة لن ينسوها ما حييوا.

هذه السنة لم تكن مصيبة تلك الأسر فقط أنها لم تستطع الهرب بأطفالها إلى حيث يفرحون، بل كانت هناك أخرى تنتظرهم على مسرح العاصمة التي نصبته أمانتها للترفيه عنهم ولإدخال السرور على قلوبهم التي كتب عليها الشقاء؛ حيث تفاجؤوا بأن خرج عليهم مهرجٌ نَكِرة بجسم ضخم وعقل ضئيل يصفهم بالكلاب أبناء الكلاب وسيل من العبارات الشوارعية المتتالية في سياق لا يبرر له التنمر عليهم بهذه الألفاظ وسط تصفيق بعض الوالدين السذج، فيعترض أب عظيم على ما يحدث بكل أدب، ويصر المهرج على السخرية منه ويعود ليتقيأ ألفاظه البذيئة مرة أخرى ويستمر تصفيق الوالدين له أيضاً، فيخرج الأب بأطفاله ليهرب إلى الملاذ الأخير له، البيت ولا سواه.

أمانة العاصمة أرادت أن تؤكد على أمانتها التي أصبحت على المحك بعد هذه الحادثة وخرجت ببيان أقل ما يوصف به؛ أنه تملص من المسؤولية فحملت الخطأ ذلك المهرج وقالت إنه أخل ببنود العقد المبرم معه والذي ينص على "أن تكون الفعاليات تحمل أهدافا تعزز القيم الوطنية، والترفيه وفق الضوابط الأخلاقية"، كما وعدت بأن مثل ذلك "لن يتكرر مستقبلاً" ولم يشر البيان إلى أي نية في محاسبة هذا المهرج! السؤال الذي يجب أن يوجه لأمانة مدينة الرياض: كيف يُترك هذا المتنمر ينجو بفعلته الشنيعة؟! فما دام هناك عقد ببنود وشروط فإن الإخلال به يقتضي المحاسبة، أم أنكم تعتبرون التجاوز بسيط ولا يستحق العقوبة؟ ألم يهدم الركن الأساسي في عمله؟ هل ما وصف به الصغار البريئين يُفرحهم أم يُترحهم ؟ والأسوأ من ذلك أنه يصفهم بالكلاب في يوم فرحهم!.

أما أنتم يا فلذات أكبادنا الصغار فأرجو أن تغفروا لنا جنايتنا عليكم، وعذرنا أننا وضعنا ثقتنا في من حسبنا أنه ثقة، استقدمنا من نريده أن يقوم على خدمتكم وأنتم رضع؛ فعذبوكم وقتلوكم وتناثرت دماؤكم على صفحات الصحف ولم نلم لجنة الاستقدام، ورضينا فقط بوقفها تدفق أولئك القتلة من العاملات اللائي لم يكن ثقات. ولما بلغتم السعي أخذناكم إلى من نريده أن يضحككم فأبكاكم، ولم نلم من أحضره لكم أيضاً، لأنه وعدنا بأن ذلك لن يتكرر، وكأنه لا شيء حدث ولا فرحة قتلت ولا روحاً غضة جرحت! أما مستقبلاً فالله أعلم بما ينتظركم!

لا شك أن ما يلقى في قلوب الصغار في سنواتهم الأولى يحدد سلوكهم بقية حياتهم، وما شاهدناه من أحداث إرهابية في البلد نفذها صغار إلا نتيجة لطفولة بائسة فُرغ منها الفرح ومُلئت بالكره والحقد، فما يكاد يجاوز الطفل السادس عشرة من عمره حتى يلف حول خصره حزام الموت لينتقم ممن حوله وينتقل إلى الحياة السعيدة التي لم يذق طعمها قط في الدنيا، ووعده بها مسخٌ آخر مثله بأنها تنتظره في الآخرة. ولا يستبعد أيضا أن ما تقيأه ذلك المهرج تفريغ لما شحن به في صغره. إذا أردنا لفلذات أكبادنا أن تحيا بسعادة وتعيش سوية كبقية الأمم والشعوب تبني بسواعدها الوطن وتلد بعدها أجيالا أخرى سوية أيضا تواصل البناء؛ فلنختر جيدا ما يلقى في قلوبهم ولا نفْرِط في الثقة بمتعالم أو متمشيخ أو حتى مربّ، خصوصا في ظل الرقابة الضعيفة من المؤسسات المعنية وغياب القوانين التي تحفظ للطفل كرامته واحترامه

رابط المقال في جريدة الوطن 

الجمعة، 11 مارس 2011

معرض الكتاب في مهب الاحتساب

الصورة عن جريدة الرياض

عندما كان معرض الكتاب في الرياض حدث ينتظره الكثيرون؛كنت أحرص على أن أفرد له جزءاً من وقتي وجهدي, ثم اكتشفت أنني أضيع هذا الجهد والوقت في أمر لا يستحق كل هذا العناء, فلا تكاد تدلف إلى بوابة المعرض حتى يتلقفك المحتسبون الجدد بنظراتهم التي تشي بأنك مدان حتى تثبت براءتك خصوصاً إذا كانت هيئتك لا تعجبهم – وأشك أن هناك شيئاً يعجبهم – ثم يبدؤون في مضايفتك عند كل دار نشر بل في كل زاوية, وإن رأوك تتصفح كتاباً لا يعجبهم فلا تلوم إلا نفسك, وأينما تذهب فأنت تحت وابل قذائفهم المسومة بـ " أنت في خطر" و"اتق الله " و " دع هذا الكتاب فمؤلفه...(علماني – لبرالي – زنديق – ملحد)" و " عليك بهذا الكتاب للشيخ فلان" ...إلخ وتحيطك نارهم التي يحذرون منها الغادي والرائح, فارتأيت أن أستبدل هذا المعرض بمعارض تقام في دول مجاورة تدخلها سالماً وتخرج غانماً.

أنا لست ضد الأمر بالمعروف والنهي عن النكر ويكفيهما شرفاً أنهما مهمة الرسل, وهما أساس خيرية هذه الأمة فالله سبحانه وتعالى يقول: " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر" بل إن من أسباب هلاك الأمم السابقة؛ كونهم لا يتناهون عن المنكر, أي أستطيع أن أشبه شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمادة الحافظة للمجتمع من التعفن الأخلاقي, وقد تنبهت الدولة - رعاها الله - لهذا الأمر منذ تأسيسها على يد المغفور له – بإذن الله - الملك عبد العزيز فجعلت لتلك الشعيرة جهازاً حكومياً مستقلاً وتميزت بذلك عن جميع دول العالم الإسلامي ولا عجب؛ فهي إنما قامت على تطبيق شرع الله وإتباع سنة نبيه, وهذا الجهاز المسمى " هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" أو كما يسميه البعض جهاز الحسبة يقوم بعمله على أكمل وجه, وقد هيأت له الدولة جميع السبل ودعمته بلا حدود ليضطلع بمهمته العظيمة ويحدث أدواته ويدرب موظفيه لينمي مهاراتهم ويرفع من كفاءاتهم ليتواكب مع تغيرات العصر الذي أصبح التخصص أهم سماته.

ظهر على السطح في السنوات القليلة الماضية بما يسمى المحتسبون أو " الأخوان" كما يحبون تسمية أنفسهم وهم أشخاص يعملون خارج إطار جهاز الحسبة يمتهنون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلا منهجية واضحة ولهم أدواتهم الخاصة وقواعدهم الفقهية التي يحددون من خلالها ما هو معروف وما هو منكر, كما أن لهم منظرون يؤزونهم أزاً. ببساطة هم تنظيم وتكتل خارج عن النظام يحاول أن يثبت وجوده ببعض الممارسات والآراء الخارجة عن المألوف, تجعلك تشفق عليهم, فهم بحاجة إلى علاج وتأهيل, ليس إلى اعتقال وتأديب لأنهم نستلوجيون عجزوا عن التكيف مع العصر الحديث فأصبحوا كما نراهم الآن, ولا سبيل للتعامل معهم إلا بإخضاعهم لبرنامج مناصحة مكثف, وإن لزم الأمر توزيعهم على المصحات النفسية, وإلا فإنهم سيؤذون أهليهم وأنفسهم فضلاً عن المجتمع.

إنما يقوم به هؤلاء من احتساب خارج إطار الهيئة ليس له محمل إلا اثنان لا ثالث لهما: إما أنهم يرون أن الهيئة لم تقم بواجبها وتركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فارتأوا أن يؤدوا الواجب الذي تقاعس عنه الجهاز المكلف به, أو أن ما يرونه منكراً يجب النهي عنه لا يراه جهاز الحسبة كذلك, أي أن لهم قواعد فقهية تحدد المصطلحين ( المعروف والمنكر) بشكل يختلف عن الجهاز الرسمي والذي يتميز بأن المنتمين له مؤهلون تأهيلاً شرعياً, فأغلبهم حملة شهادات جامعية, على النقيض تماماً من معظم ممارسي الاحتساب اللانظامي فهم صغار في السن ويفتقرون إلى أبسط آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبعضهم لم يكمل تعليمه. وإن يكن هذا أو ذاك يظل هؤلاء المحتسبون خارجين عن القانون.

لست ضد الاحتساب مضموناً ولكنني ضده بهذا الشكل الذي يمارسه " بلطجية الاحتساب المزاجي" أو مرتزقة ذاك التنظيم المذكور آنفاً والذين جعلوا من معرض الكتاب في الرياض مسرحاً لهم, يستوقفون هذا ويزجرون ذاك ويعتدون على هؤلاء ويفسقون أولئك ويتلفظون على الزائرات ويمارسون عليهن الوصاية الفجة ويعرضون بأخلاقهن, كل هذا الكم من المضايقة يحصل في تلك المساحة الضيقة نسبياً التي تفتح بواباتها أياماً محدودة كل عام لتقول للعالم هذه المملكة العربية السعودية. بسبب هؤلاء المحتسبين لم يعد كثير من الزوار أدراجهم مرة أخرى إلى المعرض, وبسببهم اعتذر كثير من المحاضرين فعلقت بعض الفعاليات كالمحاضرات والندوات, وبسببهم ستتشوه تلك الواجهة الثقافية للبلد وربما تسوء سمعة البلد كله, وبسببهم سيكون معرض الكتاب الدولي في الرياض حدث يتحاشاه الكثيرون, وإن لم يوضع حد لتصرفات أولئك المرضى؛ فإن معرض الرياض سيصبح جزءاً من التاريخ بعد أن كان يصنع التاريخ.

محمد سلامة الحربي - صحيفة الوكاد


الأربعاء، 23 فبراير 2011

زعيمان وتظاهرتان

بادئ ذي بدء أهنئ الشعب السعودي الكريم بعودة الملك المفدى خادم الحرمين الشريفين سالماً معافى بعد رحلته العلاجية وأدام الله عليه الصحة والعافية. أعترف أن عباراتي تقف عاجزة أمام قامة الملك عبد الله؛ فلكي أكتب عن الكاريزما التي حباه الله إياها فسأحتاج إلى أطنان من الورق وبحر من المداد, أما لو أردت أن أسرد إنجازاته منذ أن تولى الحكم إلى هذه اللحظة فسأكون كمن يحاول أن يعد حبات الرمل في صحراء الربع الخالي؛ لذا سأدع هذا الأمر الذي لا أستطيعه وسأتجاوزه إلى ما أستطيع.

غداً إن شاء الله سيعود الملك إلى وطنه وشعبه حسب ما أعلن الديوان الملكي في بيانه الليلة, تلقيت هذا الخبر بفرحة غامرة وبشعور أعجز عن وصفه, لا يماثله إلا شعور الابن عندما يلتقي أبيه بعد غياب طويل, كنت قبل الاستماع إلى البيان أقلب في القنوات الفضائية متابعاً تطورات الأحداث في ليبيا الشقيقة, وبعده استمعت إلى كلمة " الزعيم" معمر القذافي وهو بالمناسبة حتى هذه اللحظة لا يزال رئيساً لليبيا, ضحكت كثيراً لدرجة أنني أشفقت عليه, فحالته النفسية السيئة و"نرفزته" الواضحة وجنون العظمة لديه كلها أمراض لم يستطع أن يتعافى منها وهي نفسها التي أوقعته في مأزق عندما حاول أن يتطاول على العاهل السعودي خلال القمة العربية في شرم الشيخ عام 2003م ولكن الملك كان له بالمرصاد؛ أقول: بين البيان والخطاب دارت في مخيلتي مقارنات كثيرة كل زوج منها على طرفي نقيض وسأكتفي بواحدة منها؛ غداً في السعودية عرس كبير وتظاهرة فرح بقدوم ملك الإنسانية, وفي ليبيا تظاهرة تطالب برحيل معمر القذافي. وهذه المقارنة تختصر الفرق بين الملك العادل والرئيس الظالم بين من ترك الألقاب الفخمة واختار لنفسه لقب خادم الحرمين الشريفين وبين من يلزمك سطران لتكتب ألقابه قبل أن تصل لاسمه, بين من يقول لشعبه " أنا بخير ما دمتم بخير" وبين من يحتقر شعبه على شاشات القنوات, بين من يفيض تواضعاً وبين من احتشى كبرياءً وجنون عظمة, بين الملك عبد الله ومعمر القذافي.

الحمد الله الذي ولى علينا خيارنا وأسأله العلي العظيم أن يديم هذا الحب والتلاحم بين القيادة والشعب وأن يحفظ لنا مليكنا إنه سميع مجيب.

الاثنين، 20 ديسمبر 2010

"أكرمكم الله والسامعين"


 

عجائب الدنيا كثيرة وعجائب العقول أكثر, كنت أستمع إلى برنامج "مستشارك التعليمي" هذا اليوم الاثنين الذي يبث من إذاعة الرياض ويبحث هذا البرنامج مع الضيف والذي يكون عادة مسئول رفيع في وزارة التربية والتعليم مختلف القضايا التربوية والتعليمية وكان الحديث عن التقويم المستمر في المرحلة الابتدائية, أعترف أنني لم أكن مصغياً بشكل جيد فموضوع التقويم المستر لم يطبق في المرحلة الثانوية ولكني تابعت الاستماع, اتصل معلم صفوف أولية وتحدث عن صعوبة المهارات المطلوب من الطلاب إتقانها يستغرب هذا المعلم فيقول" يا أخي تصور أنه مطلوب من الطلاب في هذا العمر أن يرسموا أكرمكم الله والسامعين ....." وجدت يدي بشكل لا إرادي وسريع ترفع صوت المذياع لأسمع هذه الفضيحة التي يمهر الطلاب رسمها ولسان حالي يقول: وافضيحتاه كل يوم يمر يكشف عن مهزلة في هذه المناهج, ولا مناص ولا خلاص من هؤلاء المعمرين الذين جثموا على مناهجنا طيلة الثلاثين عاماً الماضية وقاوموا أعتى رياح التطوير وموجات التقاعد؛ إلا بنفيهم إلى جزر الواق واق ثم نبدأ بمرحلة تطهيرية جديدة نستخدم فيها أقوى التعويذات ومزيلات الأفكار المترسبة والسوداوية التي تتربص بفلذات أكبادنا بين سطور المقررات المدرسية, في هذه الأثناء أكمل المعلم جملته: .... القطط والطيور" !! وبقدر الفرح الذي تخلق داخلي كون المناهج هنا ليست المسئولة؛ تخلقت خيبة أمل فبعد أن خصصت الدولة تسعة مليارات ريال وتم الانتهاء من إصلاح العربة وجدنا الحصان يحتاج إصلاحاً أيضاً.

المعلم لم يكن من بلدة نائية فهو يدرس في أحدى المحافظات المتاخمة للرياض ومن صوته لم يكن كبيراً في السن فيعذر على هذه المقولة التي كنا نسمعها من " شيباننا" عندما يذكرون المرأة لجهلهم طبعاً, تخيلوا معي عندما يقول المعلم لطلاب ثاني أو ثالث ابتدائي: "ارسموا أكرمكم الله هذه القطة"! وكيف يكون وقع هذه الكلمة المقززة على أولئك الطلاب, والمصيبة أعظم لو برر لهم تبريراً أسوأ, ومن المؤكد أن أكثرهم يقوم على تربية قطة جميلة أو طائر ملون في منزله وعندما يتعلم في المدرسة بأن هذا الكائن المحبب إلى قلبه قذر فإن سيتأذى عاطفياً ونفسياً, ومهما حاول والداه إقناعه إلا أن المقدم عنده قول معلمه لأنه من المتعارف عليه أن الطفل في هذا السن والمرحلة يأخذ كل ما يقوله معلمه بالقبول ويؤمن به بشكل لا يقبل التشكيك وبقناعة لا تتزحزح, والدراسات النفسية أثبتت أن معظم تصرفات الرجل الكبير تنبثق عن القناعات التي غرست فيه صغيراً سواءً شعر بها أم لم يشعر, وأجزم أن النظر إلى الحيوانات بهذه النظرة المستقذرة والإزدرائية أوجدت لدينا جيل يحمل في داخله كره وعدائية للحيوانات فصرنا نقيم محميات لحياتنا البرية من العدو المتربص بها وهو ابن البلد!!! ومع ذلك تم اختراق هذا الطوق الأمني وارتكبت مجزرة الربع الخالي وقبلها تم قتل غزال بوحشية على يد مجموعة من الشباب في ضواحي الرياض وجدوه صدفه يتنزه ساعة من نهار خارج سياج مزرعته, ناهيك عن حملات الإبادة التي تنظم بين حين وآخر تحت مسمى صيد أو "مقناص" أدت إلى انقراض أنواع نادرة من الحيوانات كانت في السابق قطعان تزين جنبات الوديان وسفوح الجبال في الجزيرة العربية.

ألا يعلم هذا المعلم أن امرأة دخلت النار بسبب هرة ؟, ألا يعلم أيضاً أن هذه الحيوانات وصلت إلى الأرض قبل أن يصلها الإنسان بملايين السنين؟, ألا يعلم أن جمال الحياة يكمن في التفاعل الإيجابي بين الإنسان والحيوان والنبات؟ وأن الطيور ذكرت في القرآن الكريم كأحلى مأكولات الجنة لحوماً؟, ألا يتناول هذا المعلم لحم طير بعد عودته من حفلة استقذارها في المدرسة؟.

كنت أتمنى من المستشار التعليمي لو سأل المعلم لماذا قال " أكرمكم الله" بعد ذكره القطط والطيور أو على الأقل علق على هذه الكلمة بعد انتهاء المداخلة, ولكن هذا لم يحصل منه ولا من المذيع وهما بالتأكيد لا يوافقانه على ذلك, والسكوت عن هكذا أمر ليس في محله لأن المعلم في الأساس ضحية لتربية سابقه ترسخت في عقله الباطن وتؤثر على كثير من تصرفاته وأفعاله ربما دون أن يعي ذلك وتوجيه بسيط ربما يغيره كثيراً إذا كان قابلا للتغيير وهذا هو المأمول وإلا فعلى التربية والتعليم السلام.

السبت، 21 أغسطس 2010

بين أبي بكر الرازي والقصيبي غازي

لم يكن مثل أكثر العباقرة الذين ولدوا من رحم المأساة وبدؤوا خطواتهم الأولى فقراء مدقعين, بل كان ينتسب لأسرة عريقة وثرية, وكان منذ طفولته يتميز بحدة الذكاء والعبقرية الفذة والموهبة الفريدة, وكان أيضاً محباً للعلم والعلماء إلا أن بلدته الصغيرة لم تشبع نهمه لطلب العلم فانتقل إلى عاصمة العلم في وقته آنذاك ينهل من بطون الكتب صنوف المعرفة فأبدع في أكثر من مجال, وبعد إتمام دراسته عاد إلى بلده, وما هي إلا بضع سنوات حتى أصبح يشار إليه بالبنان فهو إضافة إلى ما يحمل من العلم والمعرفة؛ يتصف بالتواضع الجم ولين الجانب وطيب الطوية وكرم الأخلاق وحسن المعشر, وبإخلاصه لقيمه ومبادئه, وفوق ذلك كله فإن الله قد حباه بكاريزما طاغية, فقربه الحاكم/الملك لهذه الصفات التي فيه ولإخلاصه لدينه وبلده, وأول منصب تولاه في الدولة كان أعلى منصب في الصحة فنجح نجاحاً منقطع النظير وبزغ اسمه, وتجاوزت شهرته حد الآفاق فأصبح "كأنه علم في رأسه نار", وبالرغم من منصبه الرفيع هذا وقدرته على استغلاله لمصالحه الشخصية وحيازة الثروة إن أراد؛ إلا أنه مال للتقشف ولم يظهر منه أي شره لجمع المال ولا سرف فيه, بل ما عرف عنه كان عكس ذلك فحافظ على المال العام كمحافظته على عينيه, وكل همه أن يعيش الإنسان بصحة ورفاه, واجتهد في تحقيق الأهداف التي رسمها له الحاكم/ الملك بإتقان وتفان وإخلاص, واستمر على هذا النحو في جميع المناصب التي تقلدها, وألف العديد من الكتب والكثير من الرسائل والمقالات, إنه بلا شك رجل استثنائي مختلف عن الآخرين, فريد عصره ونادر زمانه, ولكن هذا النجاح الذي حققه كان له ثمن؛ فقد حسده الذين امتلأت قلوبهم من المرض ووجد الشيطان مجاري دمائهم طرقاً سالكة ينفذ منها إلى أي جزء شاء من أجسادهم, فطفقوا جاهدين ليحطوا من قيمة هذا الرجل العلمية, فرموه بأقبح التهم وطعنوا بقسوة في أخلاقه وذهبوا إلى ما هو أبعد من ذلك حينما شككوا في دينه واتهموه بالكفر والإلحاد والزندقة.

يا ترى هل ما سبق يخص الشاعر والأديب والروائي والمفكر والسفير والوزير الدكتور غازي القصيبي أم يخص الفيلسوف والطبيب والكيميائي والفلكي محمد الرازي؟ الحقيقة أنه يخص كليهما؛ فغازي ومحمد اتفقا في كل ما سبق إلا الزمان والمكان, فبينهما أكثر من عشرة قرون. أنهما عبقريان من عباقرة التاريخ, كسرا التابو وحركا المياه الراكدة وفجرا العديد من القضايا بشجاعة لا تجارى, ليس هذا فحسب بل قدما الجديد من المعرفة والعلم وخدما الفكر وقبل ذلك الإنسان, وقارعا المتطرفين الذين يهدمون ولا يبنون ويفسدون ولا يصلحون ويعسرون ولا ييسرون, فشتان بين من امتهن التنوير وبين من امتهن التكفير. إن أبا بكر وأبا سهيل وإن كان جسديهما الآن تحت الثرى, إلا أنهما باقيان بكتبهما وأعمالها وسيظلان كذلك إلى أن تقوم الساعة " فالذكر للإنسان عمر ثاني".

تبادل الناس رسائل التعزية صبيحة يوم الأحد وورد إلي نصيب لا بأس به من أصدقائي وزملائي وهم من أطياف شتى, ومن بين رسائل التعزية أتت رسالة متطرفة لا تعزي ولكنها تقول بالحرف الواحد:" توفي اليوم الدكتور غازي القصيبي فأفضى إلى ما قدم, ما أقصر الحياة لو تأملتها, وهل حصل على كل ما يريد؟ والسؤال الذي يطرح نفسه كم عدد الذين يترحمون عليه ؟" صاحب الرسالة أعرفه تمام المعرفة فقد جمع بين الحمق والتشدد, لدرجة أن أبنائه من شدة ما ضيق عليهم يتمنون فراقه, فتجاهلت الرد عليه - ليس عجزاً ولا اتباعا لنصيحة الشافعي رحمه الله - ولما رأى مني التجاهل أرسلها مرة أخرى وأخرى وكأنه يريد إجابة مني بلحح, فجاءه الجواب كما يلي: " متأكد بأن الذين يترحمون عليه أكثر من الذين سيترحمون عليك. الدكتور غازي ذهب إلى الرفيق الأعلى وارتاح من هم المواطن والوطن الذي كان شاغله الأكبر, وبالمقابل فأن أكثر من خسر برحيله هما المواطن والوطن, ثم إن غازي ليس بحاجة لأن يترحم عليه أصحاب المنن؛ فرحمة الله لا تخرج من بين أيديهم".

اللهم يا صاحب العفو؛ أعفو عن عبدك غازي وتجاوز عنه وارحمه ووسع مدخله وأكرم نزله, اللهم أغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس, اللهم أبدله داراً خيراً من داره واجعل قبره روضة من رياض الجنة, وأسكنه الفردوس الأعلى يوم البعث, اللهم ألهم أهله وذويه وكافة أسرته الصبر والسلوان برحمتك يا أرحم الراحمين وإنا لله وإنا إليه راجعون.


*نقلاً عن صحيفة الوكاد

الجمعة، 28 أغسطس 2009

يا صاحب السمو: أخشى عليك من طيبتك وتسامحك

قبل كل شيء أبعث أسمى آيات التهاني لكل للجميع بمناسبة سلامة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز من محاولة اغتياله التي نفذها ذلك الخارجي المجرم الإرهابي. لا عجب فالخوارج السابقين قتلوا عثمان بن عفان, وقتلوا علي بن أبي طالب, وقتلوا الزبير بن العوام والكثير من خيار الصحابة وعلى خطاهم يسير خوارج هذا الزمان, فيرون أن الخروج على ولي الأمر من الدين.
إن صاحب السمو الملكي مشهور بعطفه وطيبته وتسامحه وهذه الصفات جعلت ذلك الإرهابي يستغلها لأن يقترب من الأمير بنية سوء ولكن الله سلم ورد كيده في نحره. إن الجماعات الإسلامية المتطرفة غير مأمونة الجانب فدينها القتل وديدنها الغدر وأول ضحاياها هم المتعاطفون معها, فالرئيس المصري السابق أنور السادات أطلق العنان لجماعة الإخوان المسلمين وأخرج قيادييهم من السجون وحقق مطالبهم وانحاز لهم حتى أطلقوا عليه " الرئيس المؤمن" وتم اغتياله على أيدي جماعة الإخوان المسلمين !!! فهل نعي الدرس ؟
إن المعالجة الأمنية غير كافية للقضاء على الإرهاب أبداً ما لم تجفف منابعه ويجتث من جذوره, وهذا لا يتأتى إلا بمعالجة فكرية جادة وصارمة. لقد بدأ الإرهاب في السعودية قبل أربعة عشر عاماً بتفجير العليا في الرياض. والآن نرى يد الإرهاب تحاول النيل من رجل الأمن مساعد وزير الداخلية, ولا أجد لاستمرار الإرهاب بل وزيادة حدته سبباً؛ إلا عدم مواكبة المعاجلة الفكرية للمعالجة الأمنية, لذا فيجب إعادة النظر في الخطاب الديني بشكل عام, فعدم التركيز على أهمية تجديد الخطاب الديني هو ما جعل بعض أعضاء مواقع الإنترنت التي تصنف نفسها متدينة يشكك في محاولة الاغتيال, وبعضهم ينسبها إلى غير الفئة الضالة في محاولة لخلق فوضى تبعد الأنظار
عن هذه الفئة وتبرئ ساحتها. إنا لله وإنا إليه راجعون وحمداً لله على سلامة الأمير محمد .

الأحد، 14 يونيو 2009

ربط أحداث العيص بالذنب فقط؛ خطأ من؟

منذ أن بدأ النشاط الزلزالي والبركاني في منطقة العيص قبل عدة أسابيع والخطباء يتسابقون في استغلال هذا الحدث في توجيه العباد إلى العودة لله سبحانه وتعالى والإقلاع عن الذنوب والخطايا وهذا طيب إلا أن الكثير منهم ذهب أبعد من ذلك حيث نسب هذه الهزات إلى استحلال الزنا وشرب الخمور وأكل الربا وانتشار آلات اللهو والمعازف وأن هذا الزلزال ما هو إلا عقوبة إلهية منه سبحانه وتعالى أرسلها للبشر فإن تابوا وإلا محقهم بهذا الزلزال أو ذاك البركان خسفاً وحرقاً وجعلهم عبرة لغيرهم, فهذا خطيب يعلل ما يحصل فيقول: "... كل ما يحدث في الوجود من الزلازل فكله بسبب الشرك والمعاصي" وآخر سخر من تصريحات الجيولوجيين وتحليلاتهم العليمة وقال: "وأما التفسيرات المادية التي تقول: بأن هذه المنطقة منطقة زلازل منذ القدم، ومواضع لبراكين خامدة منذ الأزل، وأن لها تاريخاً في ثوران البراكين والهزات، وأنها أمر طبيعي... فهذا تفسير من ابتعد عن نور الوحي.. وهو من تزيين الشيطان" إلى آخر ذلك من صنوف استغلال المصائب في تسويق الأفكار والمعتقدات الخاصة على المنابر والتشكيك بالنظريات العلمية المستندة على براهين لا على خطب إنشائية.
وفي المقابل انبرى عدد من كتاب الصحف للتصدي لمثل هؤلاء الخطباء والوعاظ والرد عليهم وألا ذنب لأهل العيص في هذا وإنما هو حدث طبيعي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالحركة النشطة للقشرة الأرضية في منطقة الحزام الزلزالي الذي تشكل المنقطة الشمالية الغربية والجنوبية الغربية من المملكة جزءاً منه وهذا مبني على نظريات علمية قائمة على البراهين ولم تأتي إلا بعد مراحل عديدة من الملاحظات والاكتشافات والاختبارات والاستنتاجات, فهذا الكاتب عبده خال يقول عن من قرن الزلازل بالذنوب والخطايا إن: "هذا المنطق أراه عجيبا وتغييبا للمعارف العلمية التي غدت من بديهيات علم الجيولوجيا,... وأن تقرن الزلازل أو البراكين أو ثورة الأعاصير بالذنوب والخطايا في بلد دون سواه هو قصور في المعرفة، ولو سايرنا هؤلاء الخطباء بأن أهل العيص أذنبوا فنزل بهم عقاب الله، فإن هذا العقاب كان من المفترض أن يصيب مواقعاً أخرى من العالم لكثرة الذنوب والمعاصي في المدن مثلا.." وهذا فارس بن حزام يقول: "لا شيء يثير السخرية هذه الأيام أكثر من قول فقيه أو نحوه في هزات غرب البلاد من كون مصدرها معاصي وذنوب السكان". ويطالب الكاتب وزارة الشؤون الإسلامية بفحص الدعاة منعاً للإحراج ولغلق باب التفسيرات السلبية التي تصدر منهم تجاه كارثة معينة فيكون الوضع محرجاً للغاية وأن "الناس مازالت تذكر قول أحد الدعاة المفتين في زلزال تسونامي، الذي أصاب مسلمي الشرق الآسيوي، الداعية / المفتي اختزل أسباب الحادثة علميا" في سبب واحد؛ أن أناس أندونيسيا كثرت معاصيهم!".
لو كنت مكان الكاتبين الكريمين لما ألقيت اللوم على الخطباء والوعاظ والدعاة؛ فهذه التصورات إنما ألقتها عقولهم الباطنة على ألسنتهم فإن كان ثمة خطأ فليس خطأهم ولا خطأ وزارة الشؤون الإسلامية بل خطأ وزارة التربية والتعليم فهي التي نشأتهم على هذا القول في صغرهم وغرست هذه الأفكار ومثيلاتها من المعتقدات في عقولهم الباطنة منذ نعومة أظفارهم فغدت كالنقش في الحجر على قلوبهم كون أول ما تلقوه من العلوم والمعارف كان على مقاعد وزارة المعارف – التربية والتعليم حالياً – ومازالت وزارة التربية تنهج هذا النهج, لذلك فإن المطالبة بوجود جامعات علمية متخصصة في هذا الشأن أو مراكز لدراسة الزلازل لن يغير من الوضع القائم شيئا ولن يعدل تلك التصورات عن أسباب الكوارث الطبيعية طالما أن مضمون المنهج لن يتغير.
في مقرر الجيولوجيا (علم الأرض) للصف الثاني الثانوي وفي موضوع الزلازل والبراكين صفحة 143 وتحت عنوان "من آيات الله في الكون" ورد في المقرر وبالحرف الواحد: "أنها من جند الله التي يسخرها عقاباً للمذنبين وابتلاءً للصالحين وعبرة للناجين.." أما في منهج الجغرافيا للصف الأول الثانوي وعن نفس الموضوع في الصفحة 58 فورد تفسير أشد حدة من سابقه ربما لكون متلقيه أصغر سناً وأشد تأثرا وتصديقا؛ فبعد أن ساق المقرر شهادة بعض الناجين من الزلازل الذين وصفوا فيها لحظات الهزة وصراخ النساء والأطفال علق على ذلك بالقول: "ولا ريب أن هذه صورة من صور العقاب الرباني لأمم كافرة أو أمم مسلمة خالفت منهج الله وابتعدت عن طريقه" والغريب أن المقرر آنف الذكر لم يتطرق لاحتمالية كونها ابتلاء للصالحين, فإذا أردنا أن ننظر لحال أهل العيص من خلال هذا التفسير فلن يسع القارئ إلا أن يضع يديه فوق رأسه ويطلب من الله الصفح عنهم ويدعو لهم بالهداية والتوبة. أما في مقرر الجغرافيا للصف الأول المتوسط الصفحة 63 فقد وضع ما هو أبلغ من ألف كلمة وهي صورة لإحدى القرى الفقيرة في بلد مسلم وقد تعرضت لزلزال مدمر حيث تهدمت المباني وبقي المسجد وكتب تحت الصورة: "بقي المسجد وتهدم ما حوله" ولم يتطرق للمبنى الكبير القائم خلفه! فعند سؤال الطلاب معلمهم – ودائما ما يسألون عن السبب - فبما ذا سيجيبهم المعلم؛ هل سيقول لأن البيوت مبنية من الخشب والصفيح والمسجد مبني من الخرسانة؟ أم سيقول لأن البيوت تلك أسست على الفجور والمسجد أسس على التقوى أم سيقول إن ناس هذا البلد كثرت معاصيهم؟! اسألوا أبناءكم بما ذا أجابهم معلموهم, ولا تلقوا باللوم على الخطباء والوعاظ والدعاة فقد كانوا على ذات الكراسي ويقرؤون نفس المقرر ويشرحه لهم نفس المعلم, ومن أبنائكم من سيكون في مكانهم اليوم, ويفسر نفس تفسيراتهم طالما أن المنهج نفسه!!