الاثنين، 24 سبتمبر 2007

تحية إلى وطن خارج الوطن


اليوم الوطني مناسبة عزيزة على كل مواطن مخلص؛ وفيه تفيض المشاعر بالتعبير عن منجزات الوطن وخيراته؛ فصورة الوطن المشرقة هي تلك التي يرسمها أبناؤه له داخل الوطن أو خارجه, وتحت أي صفة كانوا؛ سواء مواطنين عاديين أو مسؤولين؛ بل إن المواطن عندما يكون خارج وطنه فهو بمثابة سفير للوطن؛ وهنا يتضح الفرق بين المواطن والوطني؛ فكل وطني هو مواطن وليس كل مواطن وطنياً، فالوطنية أعلى درجات المواطنة, وللتوضيح أكثر أقول إنه بمجرد انتمائك للوطن فأنت مواطن ولكنك لن تكون وطنياً إلا ببذلك الجهد في كل ما من شأنه رفعة الوطن, والعمل بحماس وتفان في تنميته, والنهوض به, والذود عن حياضه, وعلى من لا يستطيع ذلك أن يفتخر بوطنه وبما فعله الوطنيون من أبناء وطنه وأن يحافظ على مقدراته وهذا أقل ما يمكن تقديمه.
لنعد إلى بداية الموضوع فربما يسأل سائل ويقول: لماذا تبعث بتحيتك في اليوم الوطني إلى خارج الوطن ؟ وهل هناك وطن خارج الوطن ؟ أو ليس في اليوم الوطني تبعث التهاني من الخارج إلى الداخل ؟. إجابة على ما سبق أقول: إنه من حقي كمواطن في هذا اليوم الوطني المجيد أن أحيي من خدم وطنه وأبناء وطنه وهو خارج الوطن؛ وكل سفارة سعودية هي وطن للسعودي خارج الوطن ومثلما نقول للمسيء أسأت يجب أن نقول للمحسن أحسنت, وليس من الإنصاف أن نجرم من أساء إلى الوطن ولا نكرم من أحسن إليه, وأقل مراتب التكريم الثناء.
قبل قرابة الشهرين تقريباً أو أكثر بقليل ذهبت لدولة إندونيسيا الشقيقة حيث تقام فعاليات نهائيات كأس أمم آسيا آنذاك؛ يحدوني الأمل بأن أشارك المنتخب فرحته عندما يحصل على الكأس, ولو استقبلت من الأمر ما استدبرت لما ذهبت؛ وبعد فراغي من إنهاء إجراءات الوصول وحجز الفندق توجهت إلى السفارة السعودية هناك لتسجيل بياناتي لدى قسم الرعايا.
في الحقيقة كنت متردداً في أن ذهب بنفس اليوم الذي وصلت فيه فما كنت أريد أن أضيف على إرهاق السفر وطوله إرهاقاً آخر يتمثل في التعقيد والتأخير اللذين كنت أظنهما ينتظراني هناك فالذاكرة تحمل في طياتها ما لا يسر عن بعض موظفي الإدارات الحكومية ليس أقلها عبوس الوجه, وما هي إلا نصف ساعة حتى وجدت نفسي واقفاً أمام بوابة السفارة المطلة على شارع أم تي هاريونو في شاوانق جاكرتا. أقفلت الهاتف المحمول وخلعت الساعة وكل ما يمت إلى المعادن بصلة ووضعت كل ذلك في حقيبة السفر ودخلت عبر الممر الذي انتهى بي إلى جهاز كشف المعادن ثم مدققي الهويات حيث بادروني بعبارة الحمد لله على سلامة السفر قبل أن يدققوا هويتي, بعد ذلك أرشدوني إلى قسم الرعايا؛ هناك رأيت أحد الموظفين يعبر الصالة المقابلة للقسم وما إن رآني حتى أقبل نحوي مرحباً ومحيياً وأخذ بيدي إلى مكتبه وأجلسني وكأني صديق حميم يسألني عن أحوالي ويتمنى لي الإقامة الطيبة. الأمر هذا جعلني أتأكد وبشكل سريع من جواز سفري؛ ظننت أن خطأ ما أوقع في يدي جواز سفر شخصية مهمة, فمنذ أن ولدت حتى دفنت السنة الثلاثين من عمري لم ألق مثل هذا الاهتمام من موظف حكومي.
كل ما أردت تم إنجازه في زمن قياسي لا يتجاوز العشر دقائق وقبل أن أهم بالخروج ناولني ورقة صغيرة وقال : هذا رقم هاتفي المحمول في حال واجهتك مشكلة أو ظرف طارئ ولم يجبك أحد على هاتف المكتب لا تترد في الاتصال على هذا الرقم. فشكرته وخرجت من عنده وأنا أشعر بارتياح عميق دفعني هذا الشعور لأن أكون فضولياً فسألت أحد العاملين بالقسم عنه وقال لي: هذا الأستاذ فراج نادر رئيس قسم الرعايا!!. فعدت له مرة ثانية وقلت: شكرتك المرة الأولى وأنا لا أعرفك والآن أشكرك بعد أن عرفتك ويحق لي أن أفتخر بك, وقبلي يفتخر بك وطنك والحق أنها أكبر مفاجأة لي كون من استقبلني ورحب بي وأنهى إجراءاتي هو رئيس القسم الذي هو أنت وكان بإمكانك أن ترسلني إلى أحد الموظفين ليقوم بذلك ! فقال لي : واجبنا - من أكبر موظف إلى أصغر موظف - أن نخدم كل سعودي يأتي إلى هذا البلد ونحن سعداء بذلك. فقلت: بل قمت بما يفوق واجبك وأكثر, وودعته وانصرفت ولسان حالي يقول: بمثل هذا يرتقي الوطن.