الجمعة، 11 مارس 2011

معرض الكتاب في مهب الاحتساب

الصورة عن جريدة الرياض

عندما كان معرض الكتاب في الرياض حدث ينتظره الكثيرون؛كنت أحرص على أن أفرد له جزءاً من وقتي وجهدي, ثم اكتشفت أنني أضيع هذا الجهد والوقت في أمر لا يستحق كل هذا العناء, فلا تكاد تدلف إلى بوابة المعرض حتى يتلقفك المحتسبون الجدد بنظراتهم التي تشي بأنك مدان حتى تثبت براءتك خصوصاً إذا كانت هيئتك لا تعجبهم – وأشك أن هناك شيئاً يعجبهم – ثم يبدؤون في مضايفتك عند كل دار نشر بل في كل زاوية, وإن رأوك تتصفح كتاباً لا يعجبهم فلا تلوم إلا نفسك, وأينما تذهب فأنت تحت وابل قذائفهم المسومة بـ " أنت في خطر" و"اتق الله " و " دع هذا الكتاب فمؤلفه...(علماني – لبرالي – زنديق – ملحد)" و " عليك بهذا الكتاب للشيخ فلان" ...إلخ وتحيطك نارهم التي يحذرون منها الغادي والرائح, فارتأيت أن أستبدل هذا المعرض بمعارض تقام في دول مجاورة تدخلها سالماً وتخرج غانماً.

أنا لست ضد الأمر بالمعروف والنهي عن النكر ويكفيهما شرفاً أنهما مهمة الرسل, وهما أساس خيرية هذه الأمة فالله سبحانه وتعالى يقول: " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر" بل إن من أسباب هلاك الأمم السابقة؛ كونهم لا يتناهون عن المنكر, أي أستطيع أن أشبه شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمادة الحافظة للمجتمع من التعفن الأخلاقي, وقد تنبهت الدولة - رعاها الله - لهذا الأمر منذ تأسيسها على يد المغفور له – بإذن الله - الملك عبد العزيز فجعلت لتلك الشعيرة جهازاً حكومياً مستقلاً وتميزت بذلك عن جميع دول العالم الإسلامي ولا عجب؛ فهي إنما قامت على تطبيق شرع الله وإتباع سنة نبيه, وهذا الجهاز المسمى " هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" أو كما يسميه البعض جهاز الحسبة يقوم بعمله على أكمل وجه, وقد هيأت له الدولة جميع السبل ودعمته بلا حدود ليضطلع بمهمته العظيمة ويحدث أدواته ويدرب موظفيه لينمي مهاراتهم ويرفع من كفاءاتهم ليتواكب مع تغيرات العصر الذي أصبح التخصص أهم سماته.

ظهر على السطح في السنوات القليلة الماضية بما يسمى المحتسبون أو " الأخوان" كما يحبون تسمية أنفسهم وهم أشخاص يعملون خارج إطار جهاز الحسبة يمتهنون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلا منهجية واضحة ولهم أدواتهم الخاصة وقواعدهم الفقهية التي يحددون من خلالها ما هو معروف وما هو منكر, كما أن لهم منظرون يؤزونهم أزاً. ببساطة هم تنظيم وتكتل خارج عن النظام يحاول أن يثبت وجوده ببعض الممارسات والآراء الخارجة عن المألوف, تجعلك تشفق عليهم, فهم بحاجة إلى علاج وتأهيل, ليس إلى اعتقال وتأديب لأنهم نستلوجيون عجزوا عن التكيف مع العصر الحديث فأصبحوا كما نراهم الآن, ولا سبيل للتعامل معهم إلا بإخضاعهم لبرنامج مناصحة مكثف, وإن لزم الأمر توزيعهم على المصحات النفسية, وإلا فإنهم سيؤذون أهليهم وأنفسهم فضلاً عن المجتمع.

إنما يقوم به هؤلاء من احتساب خارج إطار الهيئة ليس له محمل إلا اثنان لا ثالث لهما: إما أنهم يرون أن الهيئة لم تقم بواجبها وتركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فارتأوا أن يؤدوا الواجب الذي تقاعس عنه الجهاز المكلف به, أو أن ما يرونه منكراً يجب النهي عنه لا يراه جهاز الحسبة كذلك, أي أن لهم قواعد فقهية تحدد المصطلحين ( المعروف والمنكر) بشكل يختلف عن الجهاز الرسمي والذي يتميز بأن المنتمين له مؤهلون تأهيلاً شرعياً, فأغلبهم حملة شهادات جامعية, على النقيض تماماً من معظم ممارسي الاحتساب اللانظامي فهم صغار في السن ويفتقرون إلى أبسط آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبعضهم لم يكمل تعليمه. وإن يكن هذا أو ذاك يظل هؤلاء المحتسبون خارجين عن القانون.

لست ضد الاحتساب مضموناً ولكنني ضده بهذا الشكل الذي يمارسه " بلطجية الاحتساب المزاجي" أو مرتزقة ذاك التنظيم المذكور آنفاً والذين جعلوا من معرض الكتاب في الرياض مسرحاً لهم, يستوقفون هذا ويزجرون ذاك ويعتدون على هؤلاء ويفسقون أولئك ويتلفظون على الزائرات ويمارسون عليهن الوصاية الفجة ويعرضون بأخلاقهن, كل هذا الكم من المضايقة يحصل في تلك المساحة الضيقة نسبياً التي تفتح بواباتها أياماً محدودة كل عام لتقول للعالم هذه المملكة العربية السعودية. بسبب هؤلاء المحتسبين لم يعد كثير من الزوار أدراجهم مرة أخرى إلى المعرض, وبسببهم اعتذر كثير من المحاضرين فعلقت بعض الفعاليات كالمحاضرات والندوات, وبسببهم ستتشوه تلك الواجهة الثقافية للبلد وربما تسوء سمعة البلد كله, وبسببهم سيكون معرض الكتاب الدولي في الرياض حدث يتحاشاه الكثيرون, وإن لم يوضع حد لتصرفات أولئك المرضى؛ فإن معرض الرياض سيصبح جزءاً من التاريخ بعد أن كان يصنع التاريخ.

محمد سلامة الحربي - صحيفة الوكاد


الأربعاء، 23 فبراير 2011

زعيمان وتظاهرتان

بادئ ذي بدء أهنئ الشعب السعودي الكريم بعودة الملك المفدى خادم الحرمين الشريفين سالماً معافى بعد رحلته العلاجية وأدام الله عليه الصحة والعافية. أعترف أن عباراتي تقف عاجزة أمام قامة الملك عبد الله؛ فلكي أكتب عن الكاريزما التي حباه الله إياها فسأحتاج إلى أطنان من الورق وبحر من المداد, أما لو أردت أن أسرد إنجازاته منذ أن تولى الحكم إلى هذه اللحظة فسأكون كمن يحاول أن يعد حبات الرمل في صحراء الربع الخالي؛ لذا سأدع هذا الأمر الذي لا أستطيعه وسأتجاوزه إلى ما أستطيع.

غداً إن شاء الله سيعود الملك إلى وطنه وشعبه حسب ما أعلن الديوان الملكي في بيانه الليلة, تلقيت هذا الخبر بفرحة غامرة وبشعور أعجز عن وصفه, لا يماثله إلا شعور الابن عندما يلتقي أبيه بعد غياب طويل, كنت قبل الاستماع إلى البيان أقلب في القنوات الفضائية متابعاً تطورات الأحداث في ليبيا الشقيقة, وبعده استمعت إلى كلمة " الزعيم" معمر القذافي وهو بالمناسبة حتى هذه اللحظة لا يزال رئيساً لليبيا, ضحكت كثيراً لدرجة أنني أشفقت عليه, فحالته النفسية السيئة و"نرفزته" الواضحة وجنون العظمة لديه كلها أمراض لم يستطع أن يتعافى منها وهي نفسها التي أوقعته في مأزق عندما حاول أن يتطاول على العاهل السعودي خلال القمة العربية في شرم الشيخ عام 2003م ولكن الملك كان له بالمرصاد؛ أقول: بين البيان والخطاب دارت في مخيلتي مقارنات كثيرة كل زوج منها على طرفي نقيض وسأكتفي بواحدة منها؛ غداً في السعودية عرس كبير وتظاهرة فرح بقدوم ملك الإنسانية, وفي ليبيا تظاهرة تطالب برحيل معمر القذافي. وهذه المقارنة تختصر الفرق بين الملك العادل والرئيس الظالم بين من ترك الألقاب الفخمة واختار لنفسه لقب خادم الحرمين الشريفين وبين من يلزمك سطران لتكتب ألقابه قبل أن تصل لاسمه, بين من يقول لشعبه " أنا بخير ما دمتم بخير" وبين من يحتقر شعبه على شاشات القنوات, بين من يفيض تواضعاً وبين من احتشى كبرياءً وجنون عظمة, بين الملك عبد الله ومعمر القذافي.

الحمد الله الذي ولى علينا خيارنا وأسأله العلي العظيم أن يديم هذا الحب والتلاحم بين القيادة والشعب وأن يحفظ لنا مليكنا إنه سميع مجيب.