وقفت على شارع المعذر………… وقوف الخطيب على المنبر
وقفت وعيناك ساهرتان………….. تماماً كما يسهر العسكري
لا يزال هذان البيتان عالقين في ذاكرتي منذ أن تربعت وزارة الداخلية على شارع المعذر بالرغم من أنني لا أعرف قائلهما حتى كتابة هذه السطور ولكنه حقاً أجاد, فعندما تسلك شارع المعذر تجد أن وزارة الداخلية واقفة أمامك هناك بهيبتها ومنعتها وإذا أردت أن تتأمل القالب الهندسي البديع الذي صبت فيه فستضطر لأن ترفع بصرك قليلاً لترى قلعة أمنية معلقة بين السماء والأرض؛ وكأنها منطاد عظيم رئم النفوذ إلى طبقات الجو العليا. ليس هذا كله وزارة الداخلية فكل ما سبق هو أمر شكلي ولكن توازى مع تميزها هذا؛ تميز في علمها ورسالتها والتي هي بالمقام الأول حفظ الأمن والسهر على راحة المواطن والمقيم.
البارحة تذكرت البيتين السابقين, بعد أن سمعت بيان وزارة الداخلية وغمرتني مشاعر كثيرة متضادة؛ مشاعر فرح ومشاعر حزن, مشاعر تفاؤل ومشاعر تشاؤم. فرحت بالقبض على هؤلاء المجرمين المنحرفين فكرياً وسلوكياً وعقائدياً وحزنت لكون دعاة التكفير والتفجير ما زالوا حولنا يعيثون في الأرض فساداً ويجندون من أبناء هذا الوطن من يطعنه في خاصرته كافراً بكل فضائله عليه. تفاءلت بهذا الإنجاز الأمني العظيم والضربات الاستباقية الموجعة لهؤلاء الخوارج المارقين وتشاءمت لعدم القدرة على استئصال خلايا هذا الوباء السرطاني رغم أن اكتشافها كان مبكراً وقبل ما يقارب الثلاثة عقود.
برأيي أنا – وأرجو أن أكون مخطئاً – أن السبب في عدم القدرة على استئصال هذا الداء هو كون المتصدي حتى وقت قريب هي وزارة الداخلية وحدها بغياب أو ضعف دور الوزارات الأخرى مثل وزارة الشئون الإسلامية ووزارة التربية والتعليم وهاتين الوزارتين دورهما أهم من دور وزارة الداخلية, فدورهما فكري وهو الوسيلة الأشد تأثيراً في القضاء على التفريخ الإرهابي وتناسخ الأفكار المنحرفة, ولكن للأسف فمناهجنا إلى وقت قريب تمجد منظري الفكر الإخواني, وأغلب مساجدنا بخطبائها عندما تتناول موضوع الإرهاب تتناوله على استحياء وسرعان ما يتلاشى هذا التناول بعد زوال الحدث مباشرة, لذلك اضطرت وزارة الداخلية أن تضطلع بالأمنين الجنائي والفكري وهذا ما صعب مهمتها وأثقل كاهلها ولو قامت كل وزارة بالدور المطلوب منها على أكمل وجه لما خرج لنا كل فترة بيان وأتمنى أن يكون ما سمعناه البارحة هو البيان الأخير عن أصحاب الفكر الضال لا يعقبه إلا بيان المحاكمة وتنفيذ حكم الله فيهم.