بعد أن عانت المملكة وعلى مدى ثلاثة عشر عاماً من الإرهاب وثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن الفكر الإرهابي الذي عانينا من شروره هو امتداد لفكر الخوارج بعد أن احتضنته بعض الجماعات الإسلامية وروجت له عبر منظريها ودعاتها ومبشريها عبر جميع الوسائل وتأثر بهم كثير من أبناء هذه البلاد فكفروا الدولة وفخخوا السيارات وقتلوا الأبرياء وفجروا وعاثوا في البلاد والعباد فسادا؛ً إلا أنني لم أكن أصدق بأن أكبر منظري هذه الجماعات لم يزل متروكاً لهم الحبل على الغارب يسممون عقول طلابنا عبر كتبهم ومؤلفاتهم التي تملأ مكتبات مدارسنا ونحن ندعي أننا نحارب التطرف والغلو.
خلال مسيرتي التعليمية القصيرة ( ثمان سنوات) عملت في ثلاث مدارس للمرحلة الثانوية أولهن كانت في وسط مدينة بريدة. خلال هذه المدة تكونت لدي قناعة بعدم جدوى المكتبة المدرسية بالنسبة لي ولمدرسي المواد العلمية؛ فكل محتواها كتب دينية – وهذا أمر طيب لو أحسن الاختيار – إلا أنه لابد كذلك من وجود كتب للعلوم الأخرى بحكم أن هذه المدارس ليست مدارس للعلوم الشرعية فقط بل يتعلم الطالب فيها أيضاً علوم اللغة العربية والعلوم الإدارية والعلوم الاجتماعية والحاسب الآلي واللغة الإنجليزية والعلوم الطبيعية والرياضيات وغيرها, وافتقار المكتبة إلى هذا الأنواع من العلوم أوجد لدينا جيلاً لا يملك أدنى قدر من الثقافة فضلاًَ عن تحصيله العلمي المتدني, وخير شاهد على ذلك نتائج اختبار القدرات العامة للمرحلة الثانوية.
إن وجود الكتب الدينية اللامنهجية في المكتبة أمر محمود إلا أن حسن النية والتساهل بالطريقة التي تجلب بها هذه الكتب إلى المكتبات قديماً وحاضراً؛ استغل من قبل أصحاب التوجه المشبوه لتكديس بعض الكتب المتطرفة التي ألفها منظري الإرهاب بطريقة ذكية فجعلوا عنوانها يطرب له المسلم بينما مضمونها خلاصة للفكر الخارجي التكفيري وبصياغة أذكى, وكنت قد كتبت عن ذلك قبل ثلاث سنوات مقالاً في أحد الصحف أطالب فيه بإعادة النظر إلى مكتباتنا وما تحويه ولكن لا حياة لمن تنادي وهذا الأمر جعلني اعتزل تلك المكتبات ولا آخذ الطلاب لها أثناء حصص الانتظار لعلمي بأنها تضرهم أكثر مما تنفعهم.
في الأسبوع الماضي حصل أمر جعلني أنهي مقاطعتي لمكتبتنا المدرسية وهو ورود تعميم من معالي نائب وزير التربية والتعليم الدكتور سعيد المليص يحمل الرقم 458/ ت /50 والتاريخ 7/11/1429هـ بخصوص سحب كتاب ( سيد قطب المفترى عليه ) وكتاب ( الجهاد في سبيل الله ) وبعد أن أكد لي أمين مصادر التعلم أنه قام بما أمره التعميم به, ولكن على ما قال المثل العربي القديم يا فرحة ما تمت ! أتدرون لماذا ؟ لأنه أثناء جولتي على هذه المكتبة الصغيرة والتي لا يتجاوز عدد كتبها المائة كتاب وجدت الكتب التالية : العدالة الاجتماعية في الإسلام (نسخة واحدة) و معالم في الطريق ( نسخة واحدة) و خصائص التصور الإسلامي ومقوماته (ثلاث نسخ) و المستقبل لهذا الدين (نسختان) وكلها للمؤلف سيد قطب, تخيلوا معي ؛كل هذ النسخ المكررة موجودة في المكتبة الصغيرة جداً !! بينما لم أجد كتاباً واحداً لضالتي في الكيمياء, ثم قفلت راجعاً ودخلت في نقاش ساخن مع أمين المكتبة لعدم مصادرته هذه الكتب فقال: لن أخرج عن نص التعميم ولن أخالف النظام! قلت له: هل تريدني أن آتي لك من بطون هذه الكتب بما هو أشد خطراً على الطلاب من الكتابين الذين صادرت ؟! فقال : ليس قبل أن تكتب لهم ويأتيني تعميماً آخر !! فقلت : إن محاربة الغلو والتطرف بالنسبة لي لا يحتاج تعميماً, في هذه الأثناء قطع نقاشنا صوت معلم آخر كان مستلق على الأريكة فاستوى في جلسته قائلاً: يا مستر محمد ترى ما كل مرة تسلم الجرة !! هنا فهمت ماذا يقصد بالضبط.
الخميس، 11 يونيو 2009
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)