لكل دولة من دول العالم يوم مهم غاية الأهمية نتج عنه تكوين خريطتها الجغرافية والسياسية والاقتصادية بل والاجتماعية أيضاً ولهذا اليوم اسم خاص به, وقد يختلف اسمه من دولة لأخرى باختلاف الطريقة التي أدت إلى وجودها, وتحتفل بذكراه كل عام على المستوى الحكومي والشعبي, إضافة إلى كل ذلك؛ فإنه مؤسساتها التعليمية ترسخ قيمة هذا اليوم جنباً إلى جنب مع القيم الوطنية الأخرى من خلال مناهجها التعليمية.
إنه اليوم الوطني.أما الدولة السعودية أعزها الله فلا تختلف عن دول العالم في هذا المجال, إلا في الجزئية ما قبل الأخيرة من المقدمة السابقة وسيأتي تفصيل ذلك لاحقاً. فاليوم المهم في تاريخنا كسعوديين دولة وشعباً؛ هو اليوم الذي أعلن فيه عن توحيد هذه البلاد المباركة تحت مسمى ” المملكة العربية السعودية” وكان في 23 سبتمبر / أيلول عام 1932م والذي يوافق الأول من برج الميزان, واعتمد هذا اليوم يوماً وطنياً يستحق أن تخلد ذكراه ويحتفل بمروره كل عام, حيث تم فيه التحول من الحقبة الساخنة القاحلة التي دارت فيها رحى معارك الملك الموحد, إلى الحقبة الربيعية الباردة التي دارت فيها عجلة التنمية والازدهار؛ ومن حقبة الظلام والجهل والتخلف والتناحر، إلى حقبة النور والعلم والتقدم والتآلف.
ولما لهذا اليوم من أهمية بالغة فلقد كان ولا يزال من المفترض أن ترسخ قيمته مناهجنا التعليمية كلها, وعلى الوجه الأخص مناهج التربية الوطنية لكونها قررت لهدف تنشئة الطلاب تنشئة وطنية صحيحة تغرس فيهم قيم الانتماء والولاء لهذا الوطن المعطاء.لا سيما أن قرار تدريسها أتخذ بعد الأحداث الأمنية التي تعرضت لها المملكة على أيدي بعض أبنائها الذين تنكروا لها وطعنوها في خاصرتها بأبشع صور الخيانة, وكان أحد أسباب هذا التنكر خلل وقصور في السياسة التعليمة التي أغفلت أهمية مثل هذا المنهج ليس إلا لأن هناك من أجتهد اجتهاداً لم يوفق وأفتى بحرمة الاحتفال بهذا اليوم معتقداً أن الولاء للوطن يذيب الولاء للعقيدة.
ولمعالجة هذا الخلل بدأت وزارة التربية والتعليم( وزارة المعارف آنذاك) في تدريس مادة التربية الوطنية في مطلع العام الدراسي 1417 / 1418 هـ في مراحل التعليم العام بعد غياب دام أربعة وسبعين عاماً - عدا عام 1405 هـ في نظام التعليم المطور الذي ألغي في 1411هـ - إلا أنه وبعد أن أعيد تدريسها وفي الوقت الذي أحوج ما نكون فيه إلى تكريس قيمة هذا اليوم الوطني أولاً, وصدور تعليمات عليا بذلك ثانياً؛ نجد أن مناهج التربية الوطنية وللأسف أغفلته تماماً ولم تتطرق إليه أبداً ولو حتى إشارة بدءا من منهج الصف الرابع الابتدائي وانتهاء بمنهج الصف الثالث الثانوي وأقل ما يقال عن هذا التغافل أنه تجهيل للطالب, ويكفيك أخي القارئ لكي تعرف ذلك أن تتصفح تلك المقررات حيث لا تجد على صفحاتها مكاناً لليوم الوطني.ولا أقصد من ذلك أنها أغفلت كل القيم الوطنية؛ ولكنها أغفلت موضوعاً مهما نحتفل بذكراه كل عام.
وفي نفس الوقت - ويبدو لأننا في زمن العجائب والغرائب - أوردت مناهج التربية الوطنية مواضيعاً ليس لها علاقة بشكل مباشر بالوطنية! كما - على سبيل المثال لا الحصر - في موضوعي ” العادات الصحية السلمية” الصفحة الثالثة والخمسون من مقرر الصف الأول المتوسط الطبعة 1428/1429 هـ و ” تقنيات الاتصال” نفس الكتاب الصفحة السادسة والستون, وقد تكررا هذان الموضوعان في مقرر الصف الأول الثانوي والثالث الثانوي, وعلى شاكلتهما غيرهما كثير. ولولا خشية الإطالة لفصلت البقية.وفي رأيي لو وضع مكانهما مواضيع أهم مثل: ” اليوم الوطني ” أو “احترام العلم السعودي” أو ” دور المواطن في مكافحة الإرهاب” لكان أفضل أو على الأقل لو صيغا بشكل يحقق أهداف التربية الوطنية, لكون الإنترنت من وسائل الاتصال التي استخدمت في السنوات الأخيرة من قبل بعض أتباع القاعدة للتغرير بصغار السن وضعيفي العقول بدعاوي مضللة لجرهم إلى مناطق الصراع, أو لتأليبهم على ولاة الأمر بذات الطريقة. لكن ما ورد في الكتاب كان يغلب عليه الجانب المعرفي لا السلوكي (تعريف شبكة الإنترنت, تاريخها, الخدمات التي تقدمها وطريقة استخدامه) فقط لا أكثر. وكونه ورد بهذه الصيغة فمكانه الصحيح مقرر الحاسب الآلي لا غيره.بالرغم من أن تخصصي كيمياء إلا أنني أعطيت دروساً في الوطنية لكل من المرحلتين المتوسطة والثانوية, وأعرف ما طبع على صفحاتها تماماً واحتفظ بنسخ من أول المقررات التي درستها ومنها كتاب التربية الوطنية للصف الثاني الثانوي طبعة 1420هـ وعندما تقارنه أخي القارئ بطبعة 1429 هـ تجده نفسه, لدرجة أنك تأخذ أحدهما وتحسبه الآخر إذا لم تنظر في تاريخ طباعته, والتطوير الذي حصل لا يتجاوز الشكل أما المضمون فنفسه.
وقد أجريت عدد من البحوث والدراسات المحلية حول المناهج موضوعنا؛ منها دراسة الريس (1421هـ) ودراسة العجاجي (1422هـ) ودراسة المعيقل ( 1425هـ) وآخرها دراسة بعنوان ” التربية الوطنية في مدارس المملكة العربية السعودية؛ دراسة تحليلية مقارنة في ضوء التوجهات التربوية الحديثة” قدمها كل من الدكتور راشد العبدكريم والدكتور صالح النصار للقاء السنوي لقادة العمل التربوي عام 1426هـ وقدما فيها توصيات واقتراحات على مسئولي وزارة التربية والتعليم ولجان تطوير المناهج, وإلى الآن لم أر أي أثر لهذه التوصيات أو غيرها على مناهج التربية الوطنية. وإن سألتني عزيزي القارئ: متى نرى ذلك ؟ أقول: الجواب عند لجان تطوير المناهج؛ وإن سألت أيضاً: هل لفتوى تحريم الاحتفال باليوم الوطني دخل في ذلك؟ أقول: الله أعلم.