منذ أن بدأ النشاط الزلزالي والبركاني في منطقة العيص قبل عدة أسابيع والخطباء يتسابقون في استغلال هذا الحدث في توجيه العباد إلى العودة لله سبحانه وتعالى والإقلاع عن الذنوب والخطايا وهذا طيب إلا أن الكثير منهم ذهب أبعد من ذلك حيث نسب هذه الهزات إلى استحلال الزنا وشرب الخمور وأكل الربا وانتشار آلات اللهو والمعازف وأن هذا الزلزال ما هو إلا عقوبة إلهية منه سبحانه وتعالى أرسلها للبشر فإن تابوا وإلا محقهم بهذا الزلزال أو ذاك البركان خسفاً وحرقاً وجعلهم عبرة لغيرهم, فهذا خطيب يعلل ما يحصل فيقول: "... كل ما يحدث في الوجود من الزلازل فكله بسبب الشرك والمعاصي" وآخر سخر من تصريحات الجيولوجيين وتحليلاتهم العليمة وقال: "وأما التفسيرات المادية التي تقول: بأن هذه المنطقة منطقة زلازل منذ القدم، ومواضع لبراكين خامدة منذ الأزل، وأن لها تاريخاً في ثوران البراكين والهزات، وأنها أمر طبيعي... فهذا تفسير من ابتعد عن نور الوحي.. وهو من تزيين الشيطان" إلى آخر ذلك من صنوف استغلال المصائب في تسويق الأفكار والمعتقدات الخاصة على المنابر والتشكيك بالنظريات العلمية المستندة على براهين لا على خطب إنشائية.
وفي المقابل انبرى عدد من كتاب الصحف للتصدي لمثل هؤلاء الخطباء والوعاظ والرد عليهم وألا ذنب لأهل العيص في هذا وإنما هو حدث طبيعي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالحركة النشطة للقشرة الأرضية في منطقة الحزام الزلزالي الذي تشكل المنقطة الشمالية الغربية والجنوبية الغربية من المملكة جزءاً منه وهذا مبني على نظريات علمية قائمة على البراهين ولم تأتي إلا بعد مراحل عديدة من الملاحظات والاكتشافات والاختبارات والاستنتاجات, فهذا الكاتب عبده خال يقول عن من قرن الزلازل بالذنوب والخطايا إن: "هذا المنطق أراه عجيبا وتغييبا للمعارف العلمية التي غدت من بديهيات علم الجيولوجيا,... وأن تقرن الزلازل أو البراكين أو ثورة الأعاصير بالذنوب والخطايا في بلد دون سواه هو قصور في المعرفة، ولو سايرنا هؤلاء الخطباء بأن أهل العيص أذنبوا فنزل بهم عقاب الله، فإن هذا العقاب كان من المفترض أن يصيب مواقعاً أخرى من العالم لكثرة الذنوب والمعاصي في المدن مثلا.." وهذا فارس بن حزام يقول: "لا شيء يثير السخرية هذه الأيام أكثر من قول فقيه أو نحوه في هزات غرب البلاد من كون مصدرها معاصي وذنوب السكان". ويطالب الكاتب وزارة الشؤون الإسلامية بفحص الدعاة منعاً للإحراج ولغلق باب التفسيرات السلبية التي تصدر منهم تجاه كارثة معينة فيكون الوضع محرجاً للغاية وأن "الناس مازالت تذكر قول أحد الدعاة المفتين في زلزال تسونامي، الذي أصاب مسلمي الشرق الآسيوي، الداعية / المفتي اختزل أسباب الحادثة علميا" في سبب واحد؛ أن أناس أندونيسيا كثرت معاصيهم!".
لو كنت مكان الكاتبين الكريمين لما ألقيت اللوم على الخطباء والوعاظ والدعاة؛ فهذه التصورات إنما ألقتها عقولهم الباطنة على ألسنتهم فإن كان ثمة خطأ فليس خطأهم ولا خطأ وزارة الشؤون الإسلامية بل خطأ وزارة التربية والتعليم فهي التي نشأتهم على هذا القول في صغرهم وغرست هذه الأفكار ومثيلاتها من المعتقدات في عقولهم الباطنة منذ نعومة أظفارهم فغدت كالنقش في الحجر على قلوبهم كون أول ما تلقوه من العلوم والمعارف كان على مقاعد وزارة المعارف – التربية والتعليم حالياً – ومازالت وزارة التربية تنهج هذا النهج, لذلك فإن المطالبة بوجود جامعات علمية متخصصة في هذا الشأن أو مراكز لدراسة الزلازل لن يغير من الوضع القائم شيئا ولن يعدل تلك التصورات عن أسباب الكوارث الطبيعية طالما أن مضمون المنهج لن يتغير.
في مقرر الجيولوجيا (علم الأرض) للصف الثاني الثانوي وفي موضوع الزلازل والبراكين صفحة 143 وتحت عنوان "من آيات الله في الكون" ورد في المقرر وبالحرف الواحد: "أنها من جند الله التي يسخرها عقاباً للمذنبين وابتلاءً للصالحين وعبرة للناجين.." أما في منهج الجغرافيا للصف الأول الثانوي وعن نفس الموضوع في الصفحة 58 فورد تفسير أشد حدة من سابقه ربما لكون متلقيه أصغر سناً وأشد تأثرا وتصديقا؛ فبعد أن ساق المقرر شهادة بعض الناجين من الزلازل الذين وصفوا فيها لحظات الهزة وصراخ النساء والأطفال علق على ذلك بالقول: "ولا ريب أن هذه صورة من صور العقاب الرباني لأمم كافرة أو أمم مسلمة خالفت منهج الله وابتعدت عن طريقه" والغريب أن المقرر آنف الذكر لم يتطرق لاحتمالية كونها ابتلاء للصالحين, فإذا أردنا أن ننظر لحال أهل العيص من خلال هذا التفسير فلن يسع القارئ إلا أن يضع يديه فوق رأسه ويطلب من الله الصفح عنهم ويدعو لهم بالهداية والتوبة. أما في مقرر الجغرافيا للصف الأول المتوسط الصفحة 63 فقد وضع ما هو أبلغ من ألف كلمة وهي صورة لإحدى القرى الفقيرة في بلد مسلم وقد تعرضت لزلزال مدمر حيث تهدمت المباني وبقي المسجد وكتب تحت الصورة: "بقي المسجد وتهدم ما حوله" ولم يتطرق للمبنى الكبير القائم خلفه! فعند سؤال الطلاب معلمهم – ودائما ما يسألون عن السبب - فبما ذا سيجيبهم المعلم؛ هل سيقول لأن البيوت مبنية من الخشب والصفيح والمسجد مبني من الخرسانة؟ أم سيقول لأن البيوت تلك أسست على الفجور والمسجد أسس على التقوى أم سيقول إن ناس هذا البلد كثرت معاصيهم؟! اسألوا أبناءكم بما ذا أجابهم معلموهم, ولا تلقوا باللوم على الخطباء والوعاظ والدعاة فقد كانوا على ذات الكراسي ويقرؤون نفس المقرر ويشرحه لهم نفس المعلم, ومن أبنائكم من سيكون في مكانهم اليوم, ويفسر نفس تفسيراتهم طالما أن المنهج نفسه!!